وصف طريقة تقديم نشاط القواعد وتقويمها
أهدف
في هذا الفصل من الدراسة التّطبيقية إلى وصف الطّريقة التي أوصت بها التّوجيهات
التّربوية في سير حصّة نشاط مادة القواعد، وأُتبع ذلك بعملية نقد وتقويم للطّريقة
المعتمدة اعتمادا على اقتراحات تعليميّة
النّحو المتعلّقة بشروط ومعايير إنجاح العمليّة التّعليميّة. ثمّ أحاول تحديد
ملامح الطّريقة البديل في إكساب المتعلّم المهارات اللغوية وترسيخها في سلوكه
اللّغوي.
وصف الطّريقة: جاء في
منهاج اللغة العربيّة وآدابها أنّ سير
نشا ط قواعد اللغة يتضمن المراحل التّالية:
1 - التّمهيد، وهو
نوعا ن:
أ - التّمهيد الأدبي: ويكون بما يتناسب مع مضمون
النّص المعتمد وسيلة ومنطلقا لعرض درس القواعد.
ب - التّمهيد العلمي:
ويتعلق بموضوع الدّرس، وينجز هذا النّوع
من التّمهيد أثناء البدء في مناقشة أمثلة
الدّرس، وقد يتناول ربط الدّرس الماضي بالجديد، وفي حال عدم وجود صلة بين
الموضوعين أي السابق والجديد، يمكن الإتيان بمدخل جديد.
2 - العرض: و يتضمّن
الخطوات التا ليّـة:
أ - يقدم الأستاذ النّص المشتمل على معظم أحكام
الدرس، ويمكن تدعيمه عند الضرورة بإضافة إليه أمثلة على شكل فقرات، أوآيات
قرآنيّـة، أوأحاديث نبويّة، أوأبيـات من الشّعر.
ب- يقرأ الأستاذ
النّص وبعض التلاميذ، ثمّ تُوجه أسئلة
للتّأكد من الفهم الإجمالي لمضمونه.
جـ - توجيه أسئلة
محددة ومباشرة إلى التّلا ميذ تكون إجاباتها أمثلة صالحة للدرس،تدوّن بالتّدريج
على السّبورة.
3- المنا قشة: وتكون
بالتعرّض إلى الأمثلة بالمناقشة المتدرجة، تتناول الصّفات المشتركة والمختلفـة بين
الأمثلة، وتعقد الموازنات الأ فقيـة والرأسيّـة.
4 – الاستنبـاط: يقوم
الأستاذ بمعية تلا ميذ ه با ستخراج الأحكام (القواعد الجزئية) فتسجل على السّبورة،
وتجرى تطبيقـا ت فورية على كلّ حكم قصد تثبيته، وفي نهاية مناقشة واستنبـاط جميع الأحكـام الجزئية تصاغ
في قاعـدة عامّة.
5 - التّطبيق: يعدّ
التطبيق كما جاء في منهاج اللّغة العربيّة الثـمرة العملية للدرس،فتعطى للتلاميذ
تمارين متدرجة من السّهل إلى الصّعب، ينجز المتعلـمون منها في القسم ما يسمح به
الوقت، ويكلفون بإنجاز الباقي خارج الحصّة،على أن تصّحـح في الحصّة المخصصة لذلك. أمّا فيما يخصّ النّـصوص التي يقترحها
واضعو المقـرّرلتقديم نشاط حصّة القواعد لمتعلمي السنّة الأولى بفرعيها الأدبي
والعلمي، فيمكننا توضيحها مع الوقت المحدّد لها
من خلال الجدولين الآتييـن:
الجدول الأوّل(1) يخـصّ السـنّة الأولى (جذع مشترك علـوم ) بينما الثانـي(2) يخصّ
السنّة الأولى( جـذع مشتـرك آداب):
الترتيب
|
عنوان الدرس
|
عنوان النص ونوعه
|
صاحب النّص
|
عدد الحصص
|
01
|
المبتدأ والخبر
|
خلق المسلم (حديث )
|
للرسول (ص)
|
01
|
02
|
ترتيب عناصر الجملة
الفعلية
|
الفرق بين الدّن
الحق والدّين لصّناعي(مقال)
|
أحمد أمين
|
01
|
03
|
المضارع المنصوب
بأن المضمرة
|
لا يوجد نص
|
|
01
|
04
|
المضارع المجزوم
بأدوات الشرط
|
لا يوجد نصّ
|
|
01
|
05
|
الحال
|
مقال قصصي
|
أمين الريحاني
|
01
|
06
|
التمييز
|
لا يوجد نص
|
|
01
|
07
|
النعت بنوعيه
|
مكانةالمرأة في
المجتمع
|
المنفلوطي
|
01
|
08
|
البدل
|
تعليق على وصية أبي
بكر لأسامة بن زيد
|
لم يشر الكتاب إلى
صاحب النص
|
01
|
09
|
التّوكيد
|
(مأساة أسرة
فلسطينية)مقتطف من مسرحية
|
لم يشر الكتاب إلى
صاحب النص
|
01
|
10
|
الفعل اللازم
والمتعدي
|
لا يوجد نصّ
|
|
01
|
11
|
أسلوب النّداء
|
(غاية واحدة) مقال
|
البشير الإبراهيمي
|
01
|
12
|
معاني وأوزان
المجرد والمزيد
|
ذكرى المولد
النّبوي مقال
|
ابن باديس
|
01
|
(1)
الترتيب
|
عنوان
الدرس
|
عنوان
النص وونوعه
|
صاحب
النّص
|
الحجم
الساعي
|
01
|
معاني الماضي
المضارع ،الأمر
|
(إدعاء النبوة)،
قصة
|
ابن عبد ربّه
|
02
|
02
|
المصدر وأقسامه
|
تعليق على كتاب
(العواصم من القواصم)
|
ابن باديس
|
02
|
03
|
المصدر المؤول
|
طه حسين في طفولته
سيرة ذاتية(الأيام)
|
طه حسين
|
02
|
04
|
اسم الفاعل وصيغ
المبالغة وعملهما
|
المؤمن( مقال )
|
عبد الرحمن عزام
|
02
|
05
|
اسم المفعول وعمله
|
عمر بن الخطاب
والاجتهاد (سيرة )
|
د. أحمد شلبي
|
02
|
06
|
أسماء الزمان
والمكان والآلة
|
عناية المسلمين
بالأزهار+عناية الإسلام بالعمل اليدوي(مقال)
|
لم يشر الكتاب إلى
صاحبي النّصين
|
02
|
07
|
المبتدأ والخبر
|
خلق المسلم ( حديث)
|
للرسول (ص)
|
02
|
08
|
الحال
|
مقال قصصي
|
أمين الريحاني
|
02
|
09
|
التمييز
|
لايوجد نص
|
|
02
|
10
|
النعت بنوعيه
|
(مأساة أسرة فلسطنية)
مقتطف من مسرحية
|
لم يشر الكتاب إلى
صاحب النّص
|
02
|
11
|
البدل
|
تعليق على وصية أبي
بكر لأسامة بن زيد
|
لم يشر الكتاب إلى
صاحب النّص
|
02
|
12
|
النّداء
|
غاية واحدة( مقال)
|
البشير الإبراهيمي
|
02
|
(2)
وتقويم
الطّريقة المعتمدة في تدريس نشاط القواعد نبد ؤه ببتناول الوقت المخصص لهذا
النّشاط، إذ نلاحظ استنادا إلى الجدولين السابقين تباينا في تنظيم وتوزيع حصص هذا
النّشاط بين الأقسام العلميّة والأدبيّة، فالمتأمل في التوجيهات التّربويّة يجد أنّ الموضوعات المقررة تُخصّص لها
ساعة واحدة (01)
بالنسبة للشّعب العلمية ، وتُخصّص
ساعتان (02)
للشّعب الأدبيّة، فنجد على سبيل المثال موضوع (النّعت بنوعيه، والبدل، والتمييز،
والحال والنّداء) تخصص لكلّ درس من هذه الدّروس ساعة، أي حصّة واحدة (01) للأقسام العلميّة بينما تُخصّص لها حصتان(02)
للأقسام الأدبية. ونعتقد أنّ مثل هذا التّوزيع المتفاوت للحجم السّاعي بالنسبة
للموضوع النّحوي الواحد مبنيّ على أساس أنّ الفرع الأدبي بحاجة إلى وقت أكثر من
الشعبة العلمية، لكن الأمرالذي لم ينتبه إليه واضعو المنهاج أنّ موضوعا كالحال
أوالتّمييز مثلا وهما من الموضوعات التي درسها المتعلمون في مراحل سابقة لا تحتاج
إلى حصتين، فأنـواع الحال كالحال المفردة والجمـلة وشبه الجملة يمكن للمدرس أن
يقـدّ مها
في حصّة واحدة؛ ثمّ ما هي المقاييس والمعايير
التربوية التي استند إليها هؤلاء المشرفون في تنظيـم وتوزيع حصص هذا النشاط، فتعطى
حصّتان للفرع الأدبي وحصّة واحدة للفرع العلميّ رغمّ أنّ الموضوع المقررعلى
الشعبتين واحد في أمثلته وقواعده المستنبطة؟ وقد كانت طريقة النّصوص المتكاملة هي
الغالبة في تقديم دروس القواعد لتلاميذ هذه المرحلة من التّعليم بالإضافة إلى
الطّريقة الاستقرائية التي تنطلق مباشرة من الأمثلة، كما نجد ذلك في درس التمييز،
والفعل المضارع المنصوب بأن المضمرة، والفعل المضارع المجزوم بأدوات الشّرط. وقد
اشتمل كتاب" المختارفي القواعد والبلاغة والعروض" المقرّر على متعلمي
السنّة الأولى بفرعيها العلمي والأدبي على مجموعة من النّصوص أغلبها لأدباء ينتمون
إلى العصر الحديث، مشفوعة بمجموعة من الأمثلة منها ما أُخذ من النّص المختار
مباشرة عن طريقة المناقشة،ومنها ما أضيف إضافة لتغطية بقية عناصر الدرس المقدّم
للشرح والمناقشة. وإذا كانت الاتّجاهات الحد يثة في تعليم اللّغة تنظر إلى النّحو
على أنّه وسيلة لاكتساب المتعلّم المهارات اللغوية الأربع انطلاقا من كون اللغة
وحدة متكاملة، أو نظام من العلاقات الدّاخلية تخضع لها العناصر التي يتكوّن منها؛
فإنّ اختيار النّصوص، والأمثلة التي يستعان بها في تدريس القواعد، يصبح أمرا جوهريا وأساسيّا في إكساب المهارات
اللغوية، وتحقيق الأهداف المرجوة من تعليم القواعد؛ فإذا كانت هذه الأمثلة
والنّصوص تنطلق من خبرات المتعلمين، وتثير اهتماماتهم، وتلبي حاجاتهم، وكانت مصوغة
بنمط وأسلوب لغوي يقترب من مستوى نمط وأسلوب اللّغة التي يتحادثون بها في الحياة
اليوميّة أدى ذلك إلى جذب هؤلاء المتعلمين إليها، ومن ثمّ الاستفادة من أساليبها
وأفكارها.وإذا عدنا إلى تفحص الجدولين السابقين، ثمّ نظرنا إلى نصوص الكتاب وجد نا
أغلبها لا تتحقق فيه معايير ومقاييس الاتّجاهات الحديثة في تعليم النّحو فمن ناحية المضمون فهي نصـوص عتيقة
تعبر عن أراء أصحابها حول قضايـا مختلفة لا تصلح لأن تكون نصـوصا معتمدة في إكساب
المهارات اللغوية، فهي لا تساعد المتعلّم على الفهم ولا توّلد فيه الرّغبـة في
المشاركة والنشاط أثناء الحصّة تستعمل مفردات وتراكيب معدومة الصّلة بالواقع
اللغوي الذي يعيشه المتعلّمون وتكرس مبدأ
أفضلية اللّـغة المكتوبة على اللغة المنطوقة مبنـيّة على خصام مفتعل بين
لغة الكلام ولغة الكـتابة، فهذه النّـصوص أبقت اللّغة العربيّة على سكونيتها ولم
ترق بها إلى مستـوى الاستعمال الفعلي الذي ينبـض بالحيويّة والتّجدّد؛ ومن ثمّ فهـي لا
تصلح لأن تكون وسيلة
يستعان بها في فهم مختلف البنى والأنماط اللّغويّة وتمثّلها من طرف المتعلّم،
ليتحصّل على كفاءة التّبليغ والتّواصل، لأنّ ذلك يحتاج إلى نصوص مستوحاة من واقع
المتعلّم وانشغالاته، وهذا لا يعني إقصاء هذه النّماذج التي تعبر عن جوانب مضيئة
في تراث الأمّة الحضاري، لكن ما يشترط في هذه النّماذج من النّصوص المقترحة -سواء
أكانت مأخوذة من التّراث أومن العصر الحديث -هو أن تكون منسجمة ومكيّفة مع أهداف تعليم نشاط
القواعد، وأن تتناسب مع مستوى المتعلمين اللغوي والفكري، وأن تدفعهم إلى المحاورة
والنّشاط، وحيويّة الإقبال على تعلّم العربيّة ونحوها، لا أن توّلد في نفوسهم
النّفور والكراهيّة فعظمة النّصوص تكمن في غنى أفكارها، لا في صعوبة كلماتها
والتفافها. أمّا إذا جئنا إلى الأمثلة، فما قيل عن النّصوص ينطبق عليها أيضا،
فالكتاب يقدمها على شكل جمل معزولة عن سياقات استعمالها، أقحمت لاستنباط القواعد،
والأحكام النّحوية التي يريد مؤلفو الكتاب الوصول إليها، لا علا قة بينها وبين لغة
التّحادث والتخاطب، فهي الأخرى لا تعبر عن واقع المتعلم، ولا تساهم في إثـراء
وترقية معجمه اللغوي، ونضرب مثلا لذلك الأمثلة المستخدمة في درس التوكيد، حيث ورد
منها ما يلي:
- " بعد أن
انتزعت الجزائر استقلالها نفسه بالقوة والإيمان، وانصرف شعبها كلّه للبناء
الداّخلي."
- " فأعطت
الحكومة الزّراعة والثّـقافة كلتيهما كلّ عناية وجهد لرفع المستوى الاقتصاديّ
والمستوى الثّقافي كليهما في البلاد."
- " وتعمل
الولايات جميعها بنظام اللامركزية في الإدارة والخدمات الاجتماعيّة."
فمثل
هذه الأمثلة تتميّز بالجفاف والتّكلف، فلا تعبرعن أفكار ومفاهيم بناءة، يعوزها
جمال التعبير وشرف المعنى، وتجعل المدرس أسيرا لها ولغيرها من الأمثلة التّقليديّة
الموروثة؛ وإذا طلب من المتعلم أثناء الحصّة أن ينسج أمثلة فورية على منوالها
يصادف صعوبة جمّة في إنجاز ما طلب منه، لكونها أمثلة لا تربطها أيّة صلة بواقع
حياته، وأغلب أمثلة الكتاب المقترحة لا تستجيب لما تتطلّبه حيوية لغة الحديث
والاستعمال من أساليب تتصف بالخفة والابتـذال. وقد أدى ذلك بالمدرس أحيانـا إلى
الاعتماد على نفسه في شرح
ومناقشة الأمثلة،
واستنباط القواعد وكتابتها أو إملائها دون مشاركة فعالة من طرف المتعلّم .
وتعتبر
تقنية تدريب المتعلمين بواسطة التّمارين الشّفويّة الفورية قصد إشاعة جوّ من النّشاط والحيويّة على حصّة القواعد، ومن
ثمّ مساعدة هؤلاء على استضمار القاعدة النّحوية واستثمارها في خطاباتهم الخاصّة
" من أجدى الوسائل لجعل القواعد اللغوية ملكة راسخة، وهو من الطّرائق
الطّبيعيّة في تعليم قواعد اللغة "ورغم
أهميّة التّطبيق الشّفوي في ترسيخ و استضمار القاعدة النّحويّة، فإنّنا نجد إهمالا
تّامّا له في الكتاب المدرسي، ثمّ إنّ الطّريقة المعتمدة تركّز أثناء حصّة العرض
على مناقشة الأمثلة لاستنباط الأحكام الجزئية دون إعطاء أهميّة للتّمارين
الشّفويّة الفوريّة، وجملة الأمر فإنّ الطّريقة التي يقدّم بها نشاط القواعد طريقة
مستوحاة من النموذج التّقليدي
متعارضة مع أهداف تعليميّة المادة، ولا يمكن أن تؤدي إلى إكساب المتعلّم مختلف
الكفاءات اللغوية، فطبيعة النصوص والأمثلة التي يقترحها الكتاب، تجعل من هذا
النّشاط يصطبغ بصبغة نظرية تجريدية، الهدف منها استخراج القواعد والأحكام، لا
التمرّس على الأساليب وتمثّل أنماطها، ولا تعين المتعلّم على إثراء قاموسه اللغوي
، ولا تساهم في ترقيّة تعبيره " فمن الإساءة إلى النّحو وإلى اللّغة أن يظلّ
الدارسون؛ معلّمون ومتعلمون متمسكين بالشواهد الموروثة ومعتمدين عليها في التّعليم
" وقد أدى الاعتماد على هذا النّوع من الأمثلة والنّصوص بصفة
عامّة، إلى جعل الأستاذ محور العملية التّعليميّة بدلا من المتعلّم، يلجأ في أحيان
كثيرة إلى الإلقاء كطريقة لتوصيل المعلومات، لأنّ طبيعة الأمثلة والنّصوص المقترحة،
لا تجد استجابة من طرف المتعلّم ولا
تدفعه إلى النّشاط والمشاركة الفعالة، فهي تحدّ من حرية التّعبير لدى المتعلّم
وتجعله يعتمد على المدرس لا على نشاطه الذاتي ومجهوده الشّخصي وتبعـده عن جو
المناقشة والحوار الذي يساعده على إجادة الممارسة اللـغوية الفعلية ومن ثمّ توظيف ما يتعلمه من أساليب وأنمـاط لغوية في مواقف حيّة
ومتنوعة فتتفتق بذلك ملكته اللـغوية لأنّ " أيسر
طرق هذه الملكة فتق
اللّـسان بالمحاورة والمناظرة فـهو الذي يقرّب شأنها ويحصّل مراميها " كما نرى من أسباب جفاف الطّريقة
المعتمدة في تدريس القواعد، أنّها مبنية على
مفهـوم غير محدد
وواضح لأنواع الأهداف التّعليميّة، بحيث نجد خلطا واضحا أثناء تقديم
الدّروس بين الأهداف
المتعلقة بالمعرفة النّسقية للّغة قصد تكـوين الملكة اللغويّة والأهداف المرتبطة
بمهارات الاستعمال والأداء، أمّا الأهداف الوجدانية فلا حظ لها في هذه الطّريقة
التي تجعـل المادة الهدف منطلق ومنتهى العمليّة التعليمـيّة، وقـد أدى كلّ ذلك إلى
الاهتمام المبالغ فيه بالجانـب المعرفي النّظري، ممّا طبع حـصّة القواعد بطابع
التّكـلّف والتّصنّع وقضى على حيوية القواعد كمادة باعثة لنشـاط ومـبادرة المتعلمين
أثناء الحصّة وهكذا لم تعد نّصوص وأمثلة نشاط القواعد وسيلة لانتحـاء سمت العرب في
طرق تركيبها للكلام وكيفيّة التّصرّف في أساليبـه في مختلـف المقامات الحد يثيّة،
وكأنّ الغاية من تعليم النّحو حشو ذهن المتعلّم بكم متراكم من معلومات مشوّشـة
وغير مفهومة حول قواعـد اللغة العربيّة، لا يحتاجها في استعماله الفعلي للغـة.
وصف تطبيقات الدّعم
للقواعد وتقويمها: بعد
الانتهاء من تقديم الأستاذ للموضوع المقرر على تلاميذ القسم، يطالب هؤلاء بإنجاز
التّمارين خارج القسم، ثمّ تُصحح جماعيا في حصّة الأعمال الموجهة التي يفوّج فيها
متعلّمو القسم الواحد إلى فوجين؛ وحصّة الأعمال الموجهة ساعة واحدة كلّ أسبوع في
الشّعبة الأد بيّة والعلميّة، وإضافة إلى نشاط تطبيقات القواعد تضمّ حصّة الأعمال الموجهة نشاطات أخرى متنوعة تابعة
لمادتي النّصوص والبلاغة وغيرهما؛ وقد اشتمل كتاب المختار في القواعد والبلاغة
للسنة الأولى الثانوية على مجموعة من التمارين المنوعة منها :
·
تمارين
الإعراب
·
تمارين
التعيين.
·
تمارين
ضبط الشكل.
·
تمارين
التكوين
·
تمارين
التحويل .
·
تمارين
التعليل.
·
تمارين
الاختيار.
وإذا
كان الهدف الأساس من نشاط التّطبيـقات تدريب المتعلّم على استضمارهذه القواعد التي
يدرسها واستثمارها في إنتاجه اللغوي
الشّـفوي منه والكتابي، وإقداره على فهم النّصوص وقراءتها بيسر وعفوية، فإنّ هذا
الأمر يسـتدعي العناية بالتّدريبات النّحويّة وتنويعها والإكثارمنها، ويرى الأستاذ
الحاج صالح أن حصة التطبيقات، لا ينبغي أن تقلّ عن ثلاثة أرباع حصة نشاط القواعد
" فالعمل الاكتسابي للغة يكاد يكون كلّه تمرّسا ورياضة مستمرّة كلّما زادت
وتواصلت زاد نموّ اللغوي وقويت الملكة
" فمعرفة المتعلّم للقاعدة النّحوية لا تؤدي به إلى حسن استخدامه للغة، إلاّ
إذا ما تحوّلت تلك المعرفة إلى مهارة والمهارة قوامها الممارسة والمران، ولا يتمّ
ذلك إلاّ بالإكثارمن التّمارين الشّفويّة لما لهذه الأخيرة من دورعظيم في تحصـيل المهارات اللغوية، ويلعب الفهم
وإدراك العلاقات دورا أساسيا في منح المتعلّم القدرة على مواجهة المواقف الخطابية
المتجددة والتصرف فيها. كما تحرص الطّرق الحديثة في تعليم النّحو أن تكون هذه
التّمارين المقترحة مفهومة من طرف المتعلمين لأنّ وضوح المعنى يساعد في تحديد
المبنى ووضوحه " فالمتعلّم إذا لم
يفهم الفكرة لغموضها صاغ ما يعبّر عنها صياغة فيها ارتباك وخلل. وتكامل هذه التّمارين
وتواترها وتركيزها على الألـفاظ المتداولة والمألوفة، تكسب المتعلّم معجما لفظيا
حيّا، يحييه باستعماله تلبيّة لحاجياته الإنتاجية في اللغة بكلّ تلقائيّة " فالمفاهيم مرتبطة ارتباطا
تلازميا بالأشكال اللّـغويّة التي تعبرعنها، بحيث لاحـظنا في أثناء حصص تطبيقات
الدعم لنـشاط القواعد
أنّ المتعلـّم إذا
فشل في فهم مضمون تمرين ما، يعجز بالجملة على نسج أمثلة على منواله فالفهم يبقـى
العنصر الأسـاس في تعليم اللغة وقواعـدها .
إثراء طريقة تقديم
نشاط القواعد: تقرّ المناهج الحديثة بأهمية الانطلا ق
من النّصوص في تعليم اللغة، وترسيخ
نظمها النّحوية المختلفة، فلا تفهم القاعدة النّحوية ولا تحتفظ بها ذاكرة المتعلم،
إلاّ إذا جاءت مستنبطة من النّص مشفوعة بالممارسة والتّطبيقات " فمن العوامل
التي فرغت النّحو العربي من المضمون الاتّجاه إلى القاعدة مباشرة دون استنباطها من
النّص "
فالنّص باعتباره وحدة كبرى مكوّنة من جمل، وهذه الجمل مكوّنة من مفردات
ترتبط فيما بينها بعلاقات، يتوقف عليها تحديد معنى الجملة، وقد نحتاج في أحيان
كثيرة لتحديد معنى الجملة الواحدة إلى ربطها بالجمل السابقة أو اللاحقة لها، أي
ضمن مفهوم النّص الكلي. والانطلاق من النّص في تعليم النّحو يقلل العناية المبالغ
فيها بالقاعدة، فالعناية بالقاعدة لاتؤدي إلى إكساب المتعلمين مختلف المهارات
والكفاءات اللغوية، فاللغة ليست قواعد نحوية فحسب، بل مران وممارسة، ولن يحصل ذلك
إلاّ من خلال معايشة اللغة في ظلال النّصوص، لأنّ أنجع الطرق التّربويّة في إكساب
المتعلمين المهارات اللغوية، هي تلك التي تعتمد الأسلوب الطبيعي في عرض وتقد يم
البنى اللغوية، بحيث يتمّ الرّبط فيها بين العناصر اللّغويّة التي يحتوي عليها
نشاط القواعد بالواقع الذي يعيشه المتعلّم، واعتماد النّصوص وحده هو الذي يكفل لنا
هذا الربط؛ ومن هنا تبرز أهميّة وفائدة الاستعانة بالوسائل السّمعية البصرية
والمخابر اللغوية، لأنّ ذلك يجعل من النّصوص المعتمدة في تعليم النّحو تقترب من
البيئة الطّبيعيّة التي يتمّ فيها الاستعمال الفعلي للغة من طرف المتعلم، والغاية
من كلّ ذلك الجمع بين الأشكال اللّغويّة ووظائفها انطلاقا من مواقف خطابيّة
حقيقيّة، من أجل ترسيخ واستضمارما يتعلّمه " هذا ولا يمكن أن يستغنى تماما عن
كلّ تبصير وتمثيل بالصّور والأفلام، لا لتوضيح العناصر الدّالة في ذاتها، بل لبيان
علاقاتها بمقتضى الحال، ومن ثمّ التّرسيخ في ذهنه للنّسبة القائمة بين هذه الحال
وما تقتضيه من أغراض، وبين مختلف طرق الأداء المستعملة في التعبيرعنها، لأنّ
الحواس إذا اشتركت ساعدت الذاكرة على الاحتفاظ بالمدركات المستنبطة من
مفعولها المشترك، فيكون بذلك التّعليم
للغة أنجع وأفيد "ومن هنا تبدو
أهميّة اعتـماد نصوص تراثيّة وحد يثة حيّة تستجيب لرغبات المتعلمين وتلبــــي
احتـياجاتهم اللغوية،
تنتقـى مع العمل على تقريب الهوّة بين اللـغة المنطوقة واللـغة المكتوبة و ردّ
الاعتبار إلى اللغة المنطوقة في تعليم اللـغة العربية ونحوها، وتلحّ "
الطرائق الحديثة في تعليم اللّغة على ضرورة الانطـلاق من لغة المتعلمين لأنّها
لصيقة بحيا تهم معبرة عن خبراتهم، وبهذا تنتفي الصّعوبة التي يحـسّ بها المتعلمون
عندما يستعمل المعلمون في تدريسهم المفردات والأساليـب والأنماط البعـيدة عن
الواقع المعيش " أي اعتماد نصوص
مسموعة، أومكتوبة مرتبطة بأحوال خطابية حقيقية " وبذلك نكون قد اتبعنا النظام
الطبيعي والتّكوّني والتعاقبي للغات نفسها، لأنّ اللّغات تكون منطوقة قبل أن تصبح
لغة مكتوبة " ولن يكون هناك نموّ وتقدّم في إكساب المهارات
اللغوية للمتعلمين إلاّ إذا اعتمدنا على التواصل والتبليغ كحاجة غريزية
لديـهم واستغلال ذلك كحافز سيكولساني،
لأنّ استغلال حاجات ورغـبات المتعلمين كحافز في خلق جوّ من العفويّة يغمره
النّـشاط والحيويّة يؤدي إلى ترسيـخ مختلف المهارات اللغويّة، فمراعاة المـدرس
لرغبات المتعلّم
و دوافعه النّفسيّة
من شأنه أن يدفعه إلى الإقـبال على الدراسة، والتّقدّم في تحصيل المهارات والاستـعانة بالوسائل
السّمعية البـصرية، كلّ ذلك يجعل الطّريقة تصطبغ بصبغة النّـشاط وعفويّة الحوار،
ممّا يساعد المتعلّم على التأقلم والتّد رب على المواقف اللّغويّة التي تتوفرعليها
النّصوص، فنتشأ وتترسخ لديه المهارات اللّغويّة المطلـوبة. وإنّ الاعتماد في تدريس
نشاط القواعد على الطّريقة الحوارية الا ستنتاجية، والاستعانة بوسائل التوضيح
كالجداول والرموز الرياضية، يساعد المتعلّم على استضمار القواعد اللغوية والقدرة
على توظيفها " وليس أدعى للإ حا طة بالقاعدة من أن تراها ماثـلة أمامك في
صورة جدول تتضح به العلاقات بين الأنماط، فلا يثبت من المعلومات إلاّ ما كان
منظوما في علاقات " فتقديم
المعلومات والقواعد النّحويّة على شكل رسوم بيا نية بسيطة يشار فيها إلى طبيعة
العلاقات القائـمة بين مختلف عناصـر التركيب يعتبر ذلك من أنجع الطرق التربويّة
وأفيدها في تحصيل النحو وقوانينه، وفي هذا المقام تجدر الإشـارة إلى أهميّة
وفائدة استغلال عمليّة التشجيـر في تدريس النّحو العـربي وتقريب
مفاهيمه من أذهان المتعلمين
فهي تقنيّة تساعـد في
تشخيص مكونـات الجملـة وتوضيح بنياتها الصّوتيّة والصّرفيـة
وإبراز معـانيها
الوظيفيّة والتّعرف على العلاقات السيّاقـيّة والقرائن اللّفـظيّة والمعنويّة " وأمّا المشجّرات، فإنّ الهدف منها هو
رسم التركيب الباطني المستتر للجمـلة، وهو رسم تجريدي أفضل من الإعراب، يمثّل
البنـيّة التركيبيّة للجملة، ويسـاعد المتعلّم على تصوّر هيـئات التّركيب في يسر وبساطة...، فهذا التّركيب المشجر يعين
التلميذ على إدراك الوحدات المكونة للجملة دون حاجـة إلى حشو دماغه بمصطلحات و
تعريـفات مجردة " ولكي نحقّق
الفائدة المرجوّة من الاستـعانة بمختلف
الرسومات التّشخيصيّة للبنى اللغويّة وتكـون طريقة تعليم قواعد اللغة العربيّة
أكثر نجاعة وفعالية، وأدعى للحيويّة والنّشاط لدى المتعلمين، ينبغي أن تدعم حـصّة
العـرض بالإكثار من التـّمارين الشّفويّة الفوريّة، فاللغة لا تقـوى إلاّ
بالممارسة، والقاعـدة النّحوية إنّما يُرسّخها في ذهن المتعلّم كـثرة مران الأذن
على السّـماع واللسان على الكلام.
ولعل
أجدى وسيلة لتحقيق وتثبيـت عمليّة الترسيخ والاستضمار، التمارين الشفويّة ومن أجل ذلك نرى ضرورة إدراجها ضمـن تطبيقات
الدّعم التي يشتمل عليها الكتاب المدرسي، لأنّها أقرب وأنسب للّغة الحديـث من
التّمارين الكتابية، ولأنّ تحقيق الكفاءة التّواصليّة ، هي الغاية القصوى التي
تسعى إليها من تعليمـية النّحو الحديـثة.
وزارة التربية الوطنية، منهاج اللغة العربية
وآدابها، ص104- 105.
وزارة التّربيّة الوطنيّة، المختارفي
القواعد والبلاغة والعروض للسنة الأولى ثانوي، ص4.
ينظر "المختار في القواعد والبلاغة
والعروض" للسنة الأولى ثانوي.
ينظر
الفصل الثاني من القسم النّظري،ص52.
وزارة التربية، المختار في القواعد
والبلغة والعروض، ص 68.
أحمد
محمّد الصّغير، دراسة تحليلية تقويميّةلمقررات القواعد والصرفوالبلاغة في مرحلة
التّعليم الثانوي، رسالة ماجستير،الجزائر:2001ـ2002، كليّة الآداب والعلوم
الإنسانية، جامعة مولود معمري، تيزي وزو،ص 83.
ينظر
الفصل الثاني من القسم التّطبيق،ص48 ـ 49.
محمد صاري "واقع
المحتوى النحوي في المقررات المدرسة "
مجلة التواصل، الجزائر: 2001، جامعة عنابة ، العدد ص39.
ابن خلدون، المقدمة،ط3، بيروت: دار
إحياء التراث العربي، د.ت،ص121ـ 122.
عبد الرحمن الحاج صالح "الأسس
العلميّة واللغويّة لبناء مناهج اللغة العربيّة في التّعليم ما قبل الجامعي"
مقال غير منشور.
بوبكر الصّديق صابري، نصوص المطالعة
وطريقة تلقينها في السنة الأولى من التعليم الثانوي، رسالة ماجستير الجزائر: 2001
ـ2002، كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة جامعة مولود معمري تيزي وزو، ص94.
صابر بكر أبو السعود، في النّحو العربي
دراسة نصيّة، القاهرة : 1988، دار الثقافة للنشر والتوزيع،ص 131.
عبد الرحمن الحاج صالح " أثر
اللسانيات في النهوض بمستوى مدرسي اللغة العربيّة" مجلة اللسانيات،العدد،
ص66.
محمود أحمد السيد،تطوير مناهج القواعد
النّحوية وأساليب التعبير في مراحل التعليم العام في الوطن العربي،ص 132
المصطفى
بن عبد الله بوشوك، تعليم وتعلّم اللّغة العربيّة وثقافتها، ص 42.
تمام
حسان، محاضرة ألقيت بالمغرب سنة 1977. ينظر المصطفى بوشوك، تعليم وتعلّم اللغة
العربية، ص55.
ينظر
الفصل الثاني من القسم النّظري،ص36.
محمد
صاري" تيسييرالنحو موضة أم ضرورة ؟" " أعمال ندوة تيسير النّحو،
منشورات المجلس الأعلى للغة العربية الجزائر:2001، ص209.
ينظر
الفصل الثّاني من القسم النّظري، ص54 وما بعدها.