السيميائيات الغربية:التأسيس، المصطلح، محور البحث
إن بدايات الفعلية للسيميائيات تزامنت مع جهود قطبين اثنين من
أقطاب الفكر والعلم في أواخر القرن التاسع
عشر وبداية القرن العشرين. وكان كل واحد
منهما يبحث في التأسيس لهذا العلم الناشئ
دون علم بما يفعل الآخر، كما تذكر الكثير من المراجع العلمية التي تؤسس
لهذا العلم .أما أولهما فهو المؤسس والأب
الروحي للسانيات الحديثة إنه العالم السويسري فرديناند دو سوسير " - de saussure Ferdinand " وأول ملاحظة نسجلها ونحن بصدد التحدث عن
الخلفيات المعرفية التي تكمن وراء تأسيس السيميولوجيا أن هذه الأخيرة انبثقت من رحم اللسانيات السوسيرية ومرتبطة بالمفاهيم البنوية التي طرحها الرجل
وهو يرصد الظاهرة اللسانية. اهتدى دو سوسير إلى هذا العلم (Sémiologie)أثناء تناوله لنظرية الدليل
اللساني، انطلاقا من اعتباره اللسان ظاهرة اجتماعية ونظاما من الأدلة أو العلامات
الاعتباطية ، وهذا النظام لا يعرف إلا طابعه الخاص، ومستقل ومستغن عن جميع الأنظمة
الأخرى. غير أنه اكتشف التماثل والتشابه الذي يربط اللسان كنظام والأنظمة التواصلية
الأخرى ،معتبرا اللسان أهم هذه الأنظمة
جميعا وأخطرها شأنا . هذه الأهمية تكمن – فيما ذهب إليه سعيد بنكراد – في استحالة
معرفة أي شيء دون الاستعانة بعلامات اللسان ، ذلك أن العالم كله بكل موجوداته يحضر
في الذهن على شكل مضمون لساني، أو بتعبير
آخر على هيئة قوالب ومثل معرفية نظرية (لغوية) حسب منظور تشومسكي ،" وما دام اللسان نظاما من الأدلة يعبر عن فكر ما ،فإنه_ هنا _ يشبه الكتابة وأبجدية الصم والبكم ، والطقوس الرمزية ، وضروب
المجاملة، والإشارات العسكرية إلخ.....وهو أهم هذه الأنظمة على الإطلاق"1وبما أن الناس يتواصلون داخل مجتمعاتهم مستخدمين أنواعا مختلفة من
العلامات، والدليل اللساني واحد منها ،انتهى دو سوسير إلى التبشير بعلم عام وجديد سيكون لهم الحق في الوجود ، ويكون
علم اللسان
فرعا أو جزءا منه. يهتم
هذا العلم الناشئ بالبحث في طبيعة وماهية العلامات والقوانين التي تتحكم فيها
وتسيرها وسمى هذا العلم بـ :السيميولوجيا
( Sémiologie ) . يقول دو سوسير: "
يمكننا أن نتصور علما يدرس
حياة العلامات داخل الحياة الاجتماعية ، يمثل جزء ا
من علم النفس الاجتماعي، نسميه " Sémiologie " واللفظة
مشتقة من اليونانية " semieon" ومعناها العلامة " signe" يدرس هذا العلم مما تتألف منه العلامة والقوانين
التي تسيرها وتنظمها . وبما أن هذا العلم لم يوجد بعد، فإنه له حقا في الوجود ، ومكانته
محفوظة مسبقا ، واللسانيات تكون فرعا أو جزء ا منه .إن القوانين التي
يكتشفها هذا العلم العام يمكن أن تكون
صالحة للتطبيق على اللسانيات "2 إن أهم ما يميز
المشروع السيميولوجي لدى دو سوسير كما يرى الأستاذ فيصل الأحمر:
1/ البعد الاجتماعي للدليل
أو العلامة.
2/ إرادة التواصل والقصدية
3/ البعد النفسي
والاعتباطي للدليل أو العلامة.
4/ مفهوم البنية أو
النظام.
أما الاتجاه الثاني لعلم الأدلة" Sémiotique " فيعود في شقه الأمريكي إلى
في الفيلسوف البراغماتي بورس " Peirce" حيث تأسس هذا الاتجاه انطلاقا من خلفية فلسفية منطقية ورياضية في تصوره
لأبعاد العلامة الثلاثية بعد مراجعة لمقولات أرسطو المنطقية ، كمقولة العلاقة والإمكان والضرورة ، ومقولة الشيء في ذاته وأخذ
من فلسفة كانط فكرة وظيفة الوعي الإنساني التي حددها في
اختزال تعدد الانطباعات الحسية إلى وحدة واحدة.
وفي المؤتمر العلمي
للسيميائيات الذي انعقد في لاهاي سنة 1969 أجمع المؤتمرون على اعتماد المصطلح
الثاني( Sémiotique) غير أن السيميائيين المنتمين إلى الاتجاه الأول ظلوا متمسكين
بمصطلح " السيميولوجيا" وبقيت إشكالية المصطلح مطروحة لدى الغربيين أنفسهم. والمصطلح الثاني
أقر ب إلى روح اللغة العربية يتفق إلى حد بعيد مع المصطلح الثاني، ونقصد به
السميائيات على شاكلة "البصريات" " و"الرياضيات" ثم نجد مصطلحات تراثية مثل السمة والسيماء
والسمياء والسمة، وألفاظ كلها تدل على العلامة والدليل ونخلص إلى القول بأن السيميائيات هي علم الأدلة
أو العلامة العام ،تدرس العلامة انطلاقا من مستويين اثنين:
المستوى التداولي: يهتم بوظيفة وفاعلية حضور العلامة داخل الحياة
الاجتماعية .
المستوى الانطلوجي: ويعنى بماهية
وطبيعة العلامة وعلاقاتها بالأشياء الأخرى تشابها واختلافا.
وانطلاقا من هذين
المستويين في دراسة العلامة تأسس اتجاهان اثنان:
الاتجاه الأول: اعتمد على مقولات دو سوسير، وجعل بؤرة الدراسة
السيميائية وظيفة العلامة في التواصل و التبليغ. إن الدليل يكتسي أهمية كبيرة في
التواصل الإنساني. والتواصل الإنساني في
ذاته وجوهره عملية تبادل للأدلة ولا يمكن تصور وجود تواصل إنساني في غياب
نسق تشكله الأدلة.
الاتجاه الثاني: اعتمد على مقولات بورس، واهتم بدراسة ماهية العلامة ومعرفة طبيعتها عن طريق تحديدها
ودراسة أركانها ومكوناتها....
السيميائيات : علم أم
منهج؟
السيميائيات عند
بورس هي نظرية شبه ضرورية أو شكلية للعلامات.
ويرى لويس بريطو "Luis Prieto" أن السيميولوجيا هي" العلم الذي يبحث في
أنظمة العلامات أيا كان مصدرها لغويا أم سننيا أم مؤشريا .
أما جورج مونان فيرى أن السيميولوجيا هي "العلم العام
الذي يدرس كل أنساق العلامات أو الرموز التي بفضلها يتحقق التواصل بين الناس"
ويرى كثير من
الدارسين والنقاد العرب أن السيميائيات
منهج يساعد في فهم النصوص و الأنساق العلامية وتأويلها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.2 / COURS DE LINGUISTIQUE GENERALE.
FERDINAND DE SAUSSURE .p :22
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire